التعليم جزء من مهام الحكومة و جزء من حقوق المواطن في أي دولة. التعليم مش مجرد مدرس و طالب, التعليم منظومة كبيرة و معقدة, بيتم ادارتها عن طريق قواعد و مناهج معينة .. اسمها "سياسات التعليم".
سياسات التعليم هي مجموعة من القواعد, بتحدد طريقة و شكل ادارة الحكومة لمنظومة التعليم.
في السياسة, معروف ان موارد الدولة محدودة, و احتياجاتها كتيرة. و من هنا, بنقدر نعرف مدي قدرة الحكومة علي ادارة الدولة, بحسب طريقة استغلالها للموارد, و طريقة توزيعها علي الاحتياجات المتعددة. و طبعاّ التوزيع و التقسيم بيكون مرتبط بأحتياجات الدولة نفسها. يعني في دول محتاجة تصرف اكتر علي الجيش لأن عندها اعداء كتير. و في دول تانية محتاجة تصرف اكتر علي الدعم و الضمان الاجتماعي, عشان عندها نسبة بطالة عالية و مشاكل في منظومة العدالة الاجتماعية.
أما التعليم, فأعتقد ان ده حاجة اساسية و لا غني عنها في أي دولة. لأن هو الأساس اللي بتقوم عليه الدولة, و هو اللي بيحدد مدي تخلف او تقدم الدول.
عشان كده, هنلاقي ان في تناسب بين مدي تقدم اي دولة و مدي انفاقها علي التعليم. فمثلاّ - و بحسب تقرير البنك الدولي لسنة 2008- هنلاقي ان نسبة الانفاق علي التعليم الي اجمالي الدخل العام في بعض الدول النامية اللي حققت طفرات اقتصادية و تقدم ملحوظ اعلي بكتير من نسبة مصر, زي ما هو واضح في الجدول ده:
ماليزيا
17.2 %
السنغال
19 %
اندونيسيا
17.9 %
مصر
11 %
من هنا, نقدر نقول ان الانفاق الجيد علي التعليم يعتبر أساس سياسات التعليم لأي دولة نامية عندها رغبة في التقدم. فمن غير المنطقي ان بلدنا تتقدم و نسبة الأمية فيها اكتر من 25%.
بالأضافة للأنفاق, في مؤشرات تانية بتبين مدي جودة سياسات التعليم في اي بلد. فمثلاّ, عندنا في مصر سياسة معروفة اسمها "مجانية التعليم". و لكن, هل فعلاّ نقدر نعتبر الشخص اللي دخل التعليم الحكومي بمستواه الحالي متعلم؟ و هل هيكون عنده المهارات اللي تأهله لدخول سوق العمل؟ طيب هل نقدر نقول ان التعليم عندنا مجاني و معظم طلاب مصر – لو مش كلهم- معتمدين كلياّ علي الدروس الخصوصية؟.
هل نقدر نلوم المدرس اللي مرتبه 500 جنية انه مش قادر يعلم 70 طالب موجودين عنده في نفس الفصل, مع وجود امكانيات ضعيفة جداّ؟.
مشلكة التعليم عندنا معقدة جداّ. و في رأيي المتواضع, السياسة التعليمية المتبعة عندنا مش سليمة و مش هتجيب اي نتيجة لو استمرينا في عمل ترقيعات و تغيرات بسيطة عليها. الحل في رأيي في تغيير سياسة التعليم كلياّ, للشكل.
ده:
1- الغاء مجانية التعليم لمرحلة الثانوية العامة, و الابقاء عليها للثانوي التجاري و الصناعي و السياحي ..الخ.
2- الاعلان عن منح خاصة للمتفوقين في مرحلة التعليم الاعدادي, يحصلوا بموجبها علي التعليم الثانوي العام بالمجان, و لكن بجودة اعلي(و ده عشان عدد طلاب الثانوي العام هيقل).
3- الاعلان عن منح اخري للمتفوقين في مرحلة الثانوي العام, يحصلوا بموجبها علي التعليم الجامعي بالمجان, و برضه بجودة اعلي.
4- الاستفادة ممن لم يلتحق بالتعليم الثانوي العام في الثانوي التجاري والفني و السياحي, ليصبح عندنا ايدي عاملة مدربة و علي اعلي مستوي في كافة القطاعات.
5- زيادة الانفاق علي التعليم, بحيث لا تقل نسبته السنوية عن 18% من اجمالي الدخل العام.
6- تطوير المناهج الدراسية و ضم المدرسين في دورات جديدة تعلمهم فنون التدريس.
7- وضع حد اقصي مبدئي لعدد الطلاب في الفصول, و ليكن 40-50 طالب لكل فصل.
8- رفع الحد الأدني للأجور للمدرسين ليعينهم علي تقديم رسالتهم السامية.
9- العمل علي محاربة الدروس الخصوصية بكل الطرق, لتعود المدارس لتقديم العلم المتفرض منها تقديمه.
10- الغاء نظام التنسيق العقيم, و عمل امتحانات قبول في كل الكليات, عشان الطالب يدخل الكلية اللي عنده قدرات تؤهله للأبداع فيها, مش عشان ربنا وفقه و غش كويس في الامتحان!
لو غيرنا سياستنا التعليمية للشكل ده, مش هيبقي عندنا مئات الألاف من الخريجين الغير مؤهلين للعمل, و اللي معاهم شهادة مش عارفين عنها غير كلمتين كانوا بيحفظوهم قبل الامتحان, و خرجوا من مرحلة التعليم عشان يبدأوا مرحلة تانية اسمها "دورات التأهيل لسوق العمل".
لو غيرنا سياستنا التعليمية, مش هنلاقي شباب خريجين جامعات شغالين في اماكن محتاجة ناس خريجين ثانوي تجاري او صناعي او سياحي!
لو غيرنا سياستنا التعليمية هنبقي فعلاّ متعلمين, وكل واحد فينا هيأدي الوظيفية اللي هو بيحبها و اللي هو قادر انو يبدع فيها, و هنبطل نسمع كلمة "كليات قمة" و "دبلوم صنايع" و"دبلوم تجارة".
كلنا سواسية, و كل واحد فينا ليه دور ربنا خلقه عشان يقدمه. لو كل الناس اطباء او مهندسين او محاسبين, مين هيقدم الخدمات التانية؟ مين هينضف الشارع, و مين هيصلح العربية, و مين هيكتب الكلام اللي انا بكتبه ده؟؟ مين هيدفن موتانا و مين هيخبز اكلنا؟؟
في النهاية, اتمني ان يجي اليوم اللي الاقي فيه كل المصريين متعلمين .. بس متعلمين بجد, و اتمني ابطل اسمع كلمة "اهو ده يا عم التعليم المجاني!".